عانت إسرائيل منذ قيامها على أنقاض الشعب الفلسطيني أزمة في العمق الاستراتيجي، إذ أنها تفتقد أصلاً لعوامل وجودها، لكونها صغيرة من حيث المساحة ولذا فكل أماكنها ومنشآتها الإستراتيجية مهددة.
انعدام إسرائيل وافتقارها للعمق الاستراتيجي، المشار إليه ، جعلها دائماً قلقة تراودها الشكوك وعدم الثقة ، ولهذا اتبعت سياسة الطرف الضعيف دائماً في جميع المعادلات السياسية والعسكرية وحتى في شؤون الحياة الأخرى، طبقت نظرية "الهجوم خير وسيلة للدفاع"، حيث لوحظ أن جل الحروب في المنطقة افتعلتها هي، لا بل وصل بها الأمر لإحتلال أجزاء من دول عربية أخرى كمصر وسوريا ولبنان ، كل ذلك في محاولة لإيجاد خطوط دفاع بعيدة عن منشآتها وعمقها الاستراتيجي.
هذه النظرية يبدو أنها أصبحت عديمة الجدوى في هذا الزمان، فإسرائيل اليوم مكشوفة ولا يجرؤ أحد من قادتها على الادعاء بوجود عمق استراتيجي إسرائيلي آمن، فهذا الأمر أصبح من مخلفات القرن العشرين الماضي؛ فالمطارات والمؤسسات الحكومية والمصرفية والمراكز العسكرية والموانئ والتجمعات السكانية وغيرها، غدت هدفاً لأي طرف تحاول إسرائيل فتح جبهة معه!
انعدام العمق الاستراتيجي لإسرائيل ، كان معروفاً على المستوى الاستراتيجي منذ قيامها، كما أشير، غير انه بدا واضحاً على المستوى العملي خلال حرب الخليج الثانية في مطلع العام 1991، عندما أمطرت إسرائيل بالصواريخ العراقية، لكنه رسخ ليصبح أمراً واقعاً وحقيقة واقعة خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في عام 2006 وتمكّن المقاومة اللبنانية من ضرب العمق الإسرائيلي وإصابتها لأهداف محددة ، كما تقول، وحساسة من المنشآت والمواقع الإسرائيلية.
هذا الواقع أدركه المسؤولون في إسرائيل تمام الإدراك واستخلصوا منه العبر، وبالذات خطورة هذا الأمر ومدى تهديده الحقيقي للشعب الإسرائيلي ولوجود الدولة وأماكنها الحساسة والإستراتيجية من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.
لكن أمراً واحدا يستغربه المراقبون، ألا وهو التهديدات الإسرائيلية بضرب إيران ، وتجاهلها لما ذكر أعلاه ، وخاصة امتلاك إيران دونما شك ، كما يرون ، لأسلحة سواء كانت صواريخ بعيدة المدى أو حتى طائرات وغواصات قادرة على الوصول للعمق الإسرائيلي ، وبالتالي تهديد التجمعات السكنية الكبيرة والمنشآت العسكرية والمدنية على اختلافها، مما سيؤثر لا محالة على أمن ووجود هذه الدولة!
إذن إن أقدمت تل أبيب على تنفيذ مخططها بشن عدوان على إيران ، فلا شك أنها تكون قد تجاهلت واقعها الاستراتيجي وضحّت بالكثير، في حين أن المنطق يرفض ذلك ، وكما قال المثل "من كان بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة"؛فإسرائيل دولة بلا عمق استراتيجي فلماذا تغامر اذا !!
الأربعاء أكتوبر 01, 2008 5:07 pm
